"جبور دويهي: في يومياته "يعتدل الخريف

فارقنا البارحة الروائي والناقد الأدبي القدير الدكتور جبور الدويهي، مواليد زغرتا شمال لبنان، بعد صراع مع المرض. وصلت كتبه لقوائم جائزة البوكر وحصل على عدة جوائز أدبية وتم تكريمه لبنانيًا وعربيًا كما ترجمت أعماله للغات عدة. 

شهقت شهقة طويلة عند رؤية الخبر، فقد فارقنا جبور الدويهي دون أن يكون لي شرف لقاءه شخصيًا أو شرف زيارته لمكتبتنا، فقد جمعتنا صداقة افتراضية فقط. كنا قد قرأنا له كتاب "شريد المنازل" ضمن نادي القراءة الخاص بمكتبة الحلبي في ٢٠١٧، ومنعه المرض آنذاك من مشاركته بحلقة النقاش فاعتذر عن تلبية الدعوة. 

في قصصه الشعبية الريفية "الموت بين الأهل نعاس"، وفي يومياته "يعتدل الخريف"، كتبها في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان لا يزال يكتب بأقلام الرصاص على دفتر مدرسيّ مسطّر على حد قوله.

يستعيد حكاياته وحكايات مدينة الدوار في مطعم وغرفتان وعلى ضفة نهر على لسان "ريّا النهر". أمّا في "عين وردة" فيجتمع التاريخ مع الرواية، "رواية الحياة اللبنانية" كما وصفها سمير قصير. ثم يأتي "مطر حزيران"، مطر الرصاص والنزاع الطائفي الذي هجّر إيليا ليعود بعد ٢٠ عامًا بحثًا عن هويته وجذوره. 

أمّا "شريد المنازل" فقصة أخرى، يأخذنا جبور من ساحات طرابلس لبساتين التفاح ورائحة الخزامى في حورا بسطوحها القرميدية وصولاً إلى ساحة البرج في بيروت المنفجرة عشية اندلاع الحرب الأهلية، بأسلوبه البديع يُدخل العبارات العامية في النص، كأن الكتاب يتحدث إليك. يستحيل أن لا تبكي.

يعود بنا الدويهي إلى "حي الأميركان" في طرابلس، المدينة التي يُحب، هي رواية التفاصيل التي تذهلك، رواية تناقضات المدينة، حيث يستفيق الناس في الحي على أصوات الانفجارات ومداهمات القوى الأمنية لأوكار الإرهاب، بينما يستيقظ ساكني القصور والأثرياء على الموسيقى.
 
لا أظن أن ناشرًا ما قد رفض نشر كتبه كما حصل مع فريد في روايته، فكلها "طُبعت في بيروت" عن أعرق دور النشر، منها دار النهار ودار الساقي.. 

في ظروف غامضة يُعثر على "ملك الهند" زكريا مبارك مقتولاً عند حدود قريته، حكايات من تاريخ لبنان، عن الغربة والعائلة والصراعات الطائفية.

وأخيرًا، يرى الراوي البطل "سمٌ في الهواء" بعدما شهد انفجار مرفأ بيروت، رواية أقرب إلى السيرة الذاتية التي ختم به مشواره الأدبي قبل رحيله بحوالى الشهر ونصف.

وداعًا جبور الدويهي، كان لنا شرف وجودك في زمن الرواية اللبنانية.
(الصورة: الروائي اللبناني جبور الدويهي من صفحته على فيسبوك)

لانا حلبي، مكتبة الحلبي
٢٤/٧/٢٠٢١